مقال الخميس 21 مارس 2013
لو نظرنا للمجتمع العربي لوجدنا أنه يعاني من مشكلة
كبيرة بين أفراده، ألا وهي عدم الثبات على المبدأ، وفي اعتقادي الشخصي أننا لو
قمنا بدراسة اجتماعية لبيان أهم أسباب تراجعنا لاكتشفنا أن هذه المشكلة هي فعلاً
أساس ذلك التراجع، فالركيزة الأولى لأي مجتمع ناجح هي إصراره على تنفيذ منظومة
متفق عليها ضمنياً بين أفراده فيحقق ذلك المجتمع نجاحه بقوة ثباته على مبادئه وعدم
الضعف أمام المغريات التي تعطل هذه المنظومة وتعيق نجاح وتقدم المجتمع.
والثبات على المبدأ لايتأكد ولايتعين لدى الواحد منا إلا
إذا تعرض لاختبارات تضغط عليه وتبلغ من الصعوبة ما يوصله أحياناً لهزة نفسية –ولو بسيطة-
تجعله يفكر ولو لبرهة هل هذا وقت التراجع؟ وهل يمكنه أن يخضع للأمواج حتى تمر ثم
يعود ويتمسك بمبادئه؟ وقتها فقط يستطيع الإنسان أن يفهم طبيعة نفسه، هل هو فعلاً
ثابتٌ على مبدئه أم لا.
ولو رجعنا لتاريخنا العربي الإسلامي لوجدنا أنه حافل
بالنماذج التي يضربها لنا القرآن وتؤكدها السنة النبوية في الثبات على المبدأ؛ فها
هوذا إبراهيم أبو الأنبياء يُلقى في النار لقوة اعتقاده ومبادئه ومع ذلك يثبت ولم
يكن وقتها يعلم أن الله سينجيه ورغم ذلك استقبل الموت بنفس راضية لأنه متمسك
بمبدئه للنهاية فجزاه الله على ثباته مرتين أولاهما أن أمر النار الحارقة أن تغير
طبيعتها من أجل هذا الرجل الثابت على مبدئه {قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على
إبراهيم} وثاني جزاء أن منحه الله الإمامة على الناس وجعله أمة لأنه وفّى ما عليه
من واجب في ثباته على مبدئه {قال إني جاعلك للناس إماما}
ونموذج آخر في هذا الثبات وهي هاجر عليها السلام زوج
إبراهيم التي ثبتت على مبدئها وإيمانها حين تركها زوجها في الصحراء مع رضيعها فلم
تعترض لأنها تعلم أمر الله ومن يثبت مع الله فلن يضيعه فكان جزاؤها أفضل جزاء لأي
امرأة أن جاء من نسلها سيد الأنبياء محمد عليه الصلاة والسلام وجزاء آخرأن أصبحت
هذه الصحراء هي مكة التي بارك الله حولها وجعلها حرماً آمناً تقصده قلوب العباد
قبل الأجساد.
وهذا هو الخضر
عليه السلام يثبت على مبدئه مع نبي الله موسى فلايغير رأيه حين فقد موسى صبره
وإنما أصر على موقفه حين سأله موسى للمرة الثالثة فقال {هذا فراق بيني وبينك}
فكانت النتيجة أن أصبح مثلاً يضرب ليعلم الناس الكثير من المبادىء والأسس
الإسلامية.
وأجمل مثل هو سيد الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم الذي
حاول معه كفار قريش وكل من معهم أن يردوه عن دينه الذي هو ثابت عليه وتعددت المحاولات
ما بين الترغيب والترهيب والتهديد والوعيد حتى عرضوا عليه الملك والجاه والمال
وغيره فكانت مقولته الشهيرة التي أصبحت مبدأً عاماً يتصبر به كل من يتعرض لمثل هذه
الاختبارات [ياعم، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا
الأمر –حتى يظهره الله أو أهلك دونه- ما تركته]
هكذا عاش الأنبياء والصالحين متمسكين بمبادئهم ولو ضد
تيار المجتمع ولو جاءتهم الإغراءات من داخل بيوتهم ومن أقرب الناس إليهم، ولو وضعت
حياتهم في كفة ومبادؤهم في كفة لاختاروا مبادءهم، لقد اختاروا الطريق الأصعب ومشوا
فيه بكل جهدهم فلم يكلوا ولم يتغيروا ولم يقفوا عند حدود ولم يوجد لهم خط رجوع
ولكنهم ثبتوا وتخطوا الصعاب، ولو جرحتهم الصعاب ولو أتعبتهم الأيام، فالدنيا لم
تكن في حسابهم سوى أيام يبنون فيها بيوتهم الأبدية في جنة الخلد عند رب العالمين.
ترى هل نعتبر اليوم في مجتمعاتنا التي كونتها مبادىء
هؤلاء السابقين، هل نعتبر أسلافاً صالحين يستحقون أن يكون مثل هؤلاء أجداداً لنا؟
هل لو خيرونا بين مبادئنا وإلقائنا في النار سنختار
التخلي عن المبدأ؟ هل لو وجدنا أنفسنا في صحراء مقابل التخلي عن المبدأ سنتخلى عن
المبدأ؟ أم سنثبت ونحتسب فيخرج الله من أرحامنا من يقدم للمجتمع قدوة وبطولة؟!
أنا لا ألوم من يتحلى بمبدأ خاطىء لأنه اختار واختياره
حريةوحسبه أن لديه مبدأ، ولكني ألوم من يؤمن بمبدأ ولا يدافع عنه فيتعرض لاختبار
فيتخلى عن مبدئه ويعيش بلا مبدأ.
ولا نقول أن عهد الحرق والسجن والترك في الصحراء قد
ولّى، فالاختبارات التي يضعها الله أمامنا ليست واحدة في كل زمان وإنما بنفس
الفكرة مع اختلاف الكيفية فتجد نفسك في النهاية معرض للاختبار أيضاً ولكن كل وفق
عصره وظروفه وهذا ما يلخصه لنا الله في قوله تعالى
{ أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لايفتنون}
هذه الفتنة جزء من الاختبار وكل واحدٍ فينا عليه التعرف
عليها ومحاولة اجتيازها وهو متمسكٌ بمبدئه، وقتها فقط نقول أن هذا الإنسان صاحب
مبادئ بحق .
وآخر كلامي أننا يجب أن نفهم قاعدة مهمة جداً ألا وهي أن
الثبات على المبدأ من الدين وهو من أهم قواعد الدين ولن تقوم للمجتمع الإسلامي
قائمة بدون الثبات على المبادئ.
ألا هل بلغت اللهم فاشهد
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.