الأربعاء، 20 فبراير 2013

امرأة شرقية- بقلم د.نورهان بسيوني-(قصة نهى ج1)




هل تعرفون اليأس؟ هل حدث أن يأس أحدٌ لدرجة أنه لم يعد قادراً على استكمال حياته؟
حقيقةً أنا لا أعرف اليأس ولا أجعله يزورني لحظة، لا يعرف عنواني ولا أعرف له عنواناً فقد حذفته من قاموس حياتي منذ فترة وهذا ما يجب أن نفهمه جميعاً...لا يمكن أن نترك اليأس يسيطر علينا حتى نصل للدرجة التي نكره فيها حياتنا فاليأس ليس إلا عادةً سيئة ننساها حين نعوّد أنفسنا على عدم التعامل بها ولكن قد يحاول اليأس أن يطرق بابنا مرة أخرى ليعود لنا كيف ذلك؟
كثيراً ما تنغلق أمامنا سبل الحياة ونظن أن الدنيا لفظتنا ونحسب أن الأمل انتهى ولكن عندما نصل إلى أقصى نقطة في الظلام نكتشف أن أول النور عند هذه النقطة.
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها    فُرجت وكنت أظنها لاتفرجُ
وكذلك صاحبة هذه القصة التي سأحكيها لكم وهي قصة حقيقية حدثت وأنها أشهد عليها وهذه القصة تذكرنا بالآية الكريمة {قل يا عباديَ الذين أسرفوا على أنفسهم لاتقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم}
بدأت قصتي مع نهى حين رأيتها دائماً مهمومة حزينة باكية العينين تحاول الابتسام رغماً عنها...وبطبيعتي لا أحب الغموض وأحب أن تكون الأمور دائماً واضحةً أمامي لكني لا أحاول أبداً التدخل في شؤون أحد إلا إذا أراد هو هذا التدخل ..نهى فتاةٌ بسيطة من أسرة متوسطة تعمل مثل كل الفتيات والشباب لتساعد في توفير لقمة العيش لأسرتها ولإثبات وجودها في هذه الحياة ولكنها تختلف عن باقي الفتيات في سنها في أنها ترفض الأمر الواقع ودائماً ما تبحث عن بديل أفضل وهذا ما أعجبني فيها...حيث أنها رغم حصولها على الدبلوم إلا أنها أصرت أن تكمل تعليمها بشكل أو بآخر حتى التحقت بالكثير من الدورات التدريبية في علم النفس والتعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة حتى أصبحت أخصائية تخاطب متميزة، ولكن في بداية تعرّفي عليها كنت أحاول أن أفهم سر عينيها الحزينتين رغم إرادتها القوية حتى جاء اليوم الذي دخلت علي العيادة فيه وأغلقت الباب وبكت بانهيار: لم أعد أتحمل يادكتورة لقد طفح بي الكيل أنا أكره حياتي ...إنها مليئة بالألم والمتاعب أنا أريد أن أموت.
وفي الحقيقة حين يقول لي شخص مثل هذا الكلام لا أحب الرد عليه بكلمات المواساة العادية التي تؤدي الواجب ولاتفيد لأني أعرف أني لو مكانها فلن أستفيد شيئا من هذه الكلمات العقيمة لكني تركتها تسترسل في سرد قصتها لأجد الخيط الذي أبدأ به الكلام معها والمدخل الذي يقدم الحل الصحيح لها لأنه لابد وأن هناك حل فلا توجد مشكلة في الدنيا بلا حل أبداً.
نهى هي أصغر أخواتها البنات ولديها أخٌ أصغر منها والدها كبيرٌ في السن وأمها هي أقسى نوع من الأمهات يمكن أن نقابله في حياتنا إذا كانت تستحق أصلاً أن تسمى أماً فهي لا تفضل أخواتها عليها رغم أنها الوحيدة التي لم تتزوج وحسب وإنما تضربها وتأخذ أموالها وتفضحها بكلام سيء بين الجيران وتسيء لأي خطيب يتقدم لها بل وتتابعها بالاتصالات وهي خارج المنزل لتكمل توبيخها والغريب أن ذلك يحدث دون سبب ومنذ صغر سنها....كبرت الفتاة في هذا الجو السيء المميت وحصلت على الدبلوم فرفضت الأم أن تكمل لها تعليمها بحجة أن المبلغ الموجود معهم لا يكفي إلا لاستكمال تجهيز الفتيات اللاتي كن قد أشرفن على الزواج وتمت التضحية بنهى وانطلقت نهى للحياة وللعمل لتتلقفها الحياة وتكمل تعذيبها فقد عملت في شركة كبيرة بمبلغ محترم إلا انها مرضت واحتاجت لراحة وكعادة الشركات الخاصة استبدلتها بأخرى دون عودة ولم تكن هذه الأخرى إلا صديقتها التي طلبت منها أن تحل محلها حتى تشفى فكانت المفاجأة أن الصديقة الخائنة فضلت الوظيفة على الصداقة وسلبتها مهنتها ..فاضطرت للعمل كسكرتيرة في عيادة خاصة حتى استطاعت أن تثبت وجودها كأخصائي تخاطب وطبعاً كانت الأم تصاحب هذه الحياة القاسية لتزيدها قسوة بالمزيد من الضرب والتهديد وطردها  من بيت أختها بعد سرقتها لأموالها وتركها في الشارع بدون حتى حقيبة يد ولا قرش واحد ...اضطرت نهى أن تقترض مبلغاً من المال من أحد البنوك لتستطيع أن تغطي هذه الاحتياجات وأن تشتري لنفسها ما تحتاج ووقعت على وصل أمانة وحان موعد سداده الشهري فما كان من الأم إلا أن سلبتها أموالها وتركتها مهددة بالسجن دون رحمة بل وتركت أخواتها وأبناءهن يخرجن ما تحتفظ به من تجهيز لها من ملابس ومفروشات ويلهون به في غرفتها في غيابها ...هنا وصلت نهى لنهاية صبرها ..حاولت حل المشكلة فهددت الأم أخواتها بالقطيعة لو أقرضنها قرشاً واحداً ....وهنا رسمت نهى لنفسها نهاية –تبدو بالنسبة لها- منطقية جداً للتخلص من كل هذا الألم ...قررت الانتحار.
ففتحت شرفة منزلها وصعدت على السور في منتصف الليل لتلقي بنفسها من الشرفة...فماذا حدث لها؟
أتوقف هنا...وأستكمل معكم قصة نهى في المرة القادمة..ولكن أترك معكم وصية واحدة،
لا تقنطوا من رحمة الله...لا تقنطوا من رحمة الله
ألا هل بلغت ...اللهم فاشهد
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عقل وقلب

بين العقل والقلب اختلفت الأقاويل أيهما يعطي للمرأة القوة، فالبعض يقول أن المرأة القوية هي المرأة العاقلة التي لايهمها الظروف والحياة...