مقال يوم الخميس 28فبراير 2013 (قصة نهى ج2)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كانت نهى قد وصلت لمرحلة اليأس التي يصعب عندها الاقتناع
بأي شيء، ولكن حين يريدك الله فإنه يناديك فإن لم تأتِ فإنهُ يبتليك ويبدو أن هذا
ما حدثَ مع نهى فعندما وصلت لآخر لحظة في حياتها سألت نفسها سؤالاً واحداً: كيف
ستكون النتيجة بعد موتي؟ هل سأدخل النار؟ نعم ...سأدخل النار...إذن لا لا لن أفعل
ذلك.
هل بعد كل هذا العناء والشقاء أموت موتة تجعلني في النار
من الخالدين؟!
هنا تراجعت نهى ونزلت عن سور الشرفة لتعود وتحاول
الهدوء...أعود بكم لمشهدي معها وهي تحكي لي ذلك : والله يادكتورة أنا تعبت لقد
أصبحت أصرخ في الحمام حتى بدأت أشعر أني غير طبيعية، كلما أردت الصلاة يحدث شيء
يمنعني من الاستمرار وأختنق ويغمى عليّ.
وهنا قررتُ التدخل ..فهذه الفتاة يائسة قانطة ولن أترك
هذه النفس تتعذب بهذا الشكل وأنا أرى الأمر من زاوية مختلفة تحتاج أن أوضحها لها.
سألتها: ماذا سيحدث لو صليتِ؟ قالت: سأموت
قلت لها: وماذا سيحدث لو متِّ؟ ألن نموت جميعاً؟ ألن
تأتي ساعتنا ونذهب من حيث أتينا؟ ثم إنَّكِ قد حاولت الانتحار ..ألم تحاولي الموت؟
إذن اعتبريها فرصة للموت ولكن فرصة مشرّفة أكثر من أن تنتحري وتودي بنفسك إلى
التهلكة...وما أحلاها من خاتمة أن تموت لمحاولتك الصلاة!
لقد كنت أعرف ما بها فقد كان اليأس قد قضى على إرادته
كاملة وكان الأمر يحتاج لمعالجة المشكلة بنوعٍ من الروية لكي لايأتِ بنتيجةٍ
عكسية..وهذا ما فعلته..أخبرتها أن تحضر ماءً وتغلق علينا باب الغرفة وقرأت عليه
الرقية الشرعية بشكل قوي وإذا بها تبكي وتنهار وتتسع عيناها وتضيق حتى انتهيت وأذكر
كم انعقد لساني وأنا أقرأ سورة الناس ووقتها فقط علمت أن هذا اللعين لايريد أن
يبتعد وهو يعرف أني سأقهره بإرادة الله عليه...تركتها بعد أن هدأت لأعود بعد ذلك
بأسبوع فوجدتها منهارة تحاول أن تصلي لكن المشاكل زادت فزدت من تشجيعها وأن هذا
ابتلاء لابد له من صبر لكي يكون له فرج...وبعد أسبوعٍ آخر دخلت عليها وفوجئت بأمر
جعلني في غاية السعادة..كانت نهى تصلي العشاء بين الأذان والإقامة ورائحة المكان
كله مسك لأنها قد وضعت بخوراً برائحة المسك، والهدوء والطمأنينة يعمَّان المكان
بشكل غريب..انتظرتها حتى فرغت وأخذتها في أحضاني ..لقد تغلبت على كل شيء وتغير
وجهها وأصبحت امرأة أخرى أجمل وأروع من قبل..هادئة في كلامها متأنية في تعبيراتها
واثقة في الله على يقين يجعلنا نغار منها...سألتها ما سر هذا التحول؟
فأخبرتني أنها عانت في الفترة الأخيرة من انهيار نفسي
وصل لذروته حتى دخلت المستشفى في انهيار عصبي اضطرت أن تخضع فيه لجلسات كهربائية
وهنا –والكلام لنهى- شعرت أني فقدت كل شيء وكل أحد حتى صحتي ضاعت مني وفجأة وأنا
في المستشفى شعرت برغبة شديدة في الوضوء
والصلاة فقمت وصليت ومن يومها حتى الآن لم أترك فرضاً وصدقيني يا دكتورة لقد بدأت
كل همومي تذهب وأشعر براحة غريبة لم أعهدها من قبل والأجمل أن كل مشاكلي قد وجدت
لها حلولاً لا أدري من أين جاءت؟
قلت لها: إنها حلاوة الإيمان وذلك فضل الله ونعمته على
التائب من الذنب والعائد إليه.
نهى الآن جديدة متألقة سعيدة بحياتها تعرف أن هناك نهاية
لكل حزن مع أول دمعة تسقط في سجدة لله...تحول القنوط إلى قنوت ولجأت لله الواحد
الجبار فأعادها إلى صوابها وتغيرت حياتها...ترى لو كنا مكانها ماذا كنا سنفعل؟
لقد استيقظت إرادتها لأنها مزجتها بإرادة الله والله
يريد فيكون ما أراد، وزادت ثقتها بنفسها لأنها استمدتها من ثقتها بالله ومن يتوكل
على الله فهو حسبه.
أعتقد أن علينا جميعاً أن نتعلم من نهى...فهي قد لقنتنا
درساً عجزت الحياة عن تعليمنا إياه...شكراً لكِ يانهى وشكراً لكل من جعل من نفسه
قدوة يحاول أن يجتاز بها ظلام الضلال إلى نور الله.
لا تقنطوا من رحمة
الله... لا تقنطوا من رحمة الله
ألا هل بلَّغت ...اللهم فاشهد
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق