** في محاكاة مع التاريخ ورغبة في إحقاق الحق وإظهار
الثمين الذي اختلط في أيامنا هذه بالغث حتى أصاب سهامه في تشتيت الأذهان وإثارة
الانتباه حول كل مايلمع وليس بذهب؛
نادت الإعلامية الشابة والأديبة الرائعة هدى الساعاتي على
روح نظيرتها السابقة في القرن الماضي ،الأديبة مي زيادة فقدمت بكل الدقة والإخلاص
وجبة خفيفة من التجربة الإعلامية السابقة على منصة حكم الزمان الماضي في حضرة
الزمن الجديد والجيل القادم من الإعلاميين والمهتمين بصناعة الإعلام في مصر أو
بالأحرى في الإسكندرية.
**ولو سافرنا عبر الزمن لنتذكر فيما سبق "صالون
مي" الثقافي والذي لونت به الأديبة الراحلة ليالي القاهرة بأحلى الألوان ،
ألوانا بريشة الأدباء الذين كانوا ومازالوا عمالقة الأدب في كل العصور يجلسون معا
حيث تجتمع النخبة ويتبارى الكل في إظهار أفضل مالديه وأقل من فيهم عملاق،
نجد أن مي كانت تحرص كل الحرص على أن تثبت أنها امرأة
حرة في زمن احتجبت فيه المرأة أو تم حجبها عن قصد كي لا تقوم للمرأة العربية أية
قائمة تدك بها المستعمر الغادر الذي قلب الحق باطلا والباطل حقا، حتى لفتوا انتباه
الرجل الشرقي لأمر واحد فقط وهو كيف يداري عورة حياته وهي المرأة التي كانت عارا
في إنجابها وحياتها وحتى وفاتها، ونسوا وغمضت أبصارهم عن العار والعورة الحقيقيين
المتمثلين في مستعمر قاتل للحرية مغتصب للأرض مستبيح للدم والعرض، فخرجت مي وجاءت
من لبنان إلى مصر لتحيي قلوبا بعد موات، وتترك بصمة نسائية فريدة في عالم الأدب لم
تتركها نظيراتها من الخاضعات لذل المعتقدات المتخلفة.
**واليوم ..أصبحنا نعاني نفس المعاناة ونقاسي استعمارا
آخر ألا وهو الاستعمار الثقافي الذي أفقد المجتمع توازنه حين عاد فاستهدف المرأة
مرة أخرى ولكن حين تلون الشيطان في ثوب جديد، ثوب الحرية والتعري، وثوب التمرد
الغير محسوب فقام العدو بصناعة إعلام بديل مشوش ومشوه كل دوره تزييف الحقائق
وإثارة البلبلة الذهنية التي أفقدت الشباب الثقة في كل شئ حولهم وخاصة هويتهم
وانتماءهم الوطني.
**وهنا قامت الإعلامية الواعدة هدى الساعاتي بثورة
إعلامية ناضجة، وقبل أن أخبركم لم أعتبرها ثورة، اسمحوا لي أن أخبركم من هي هدى
الساعاتي، فبعيدا عن أنها صديقتي المقربة إلا أني منذ عرفتها وهي تعتبر بمثابة
المثل الحي للبراءة والمصداقية الإعلامية، لا تزييف الحقائق من أجل شهرة رغم أن
هناك مشهورات أكثر منها بالزيف والكذب ولكنها عكفت على الحقيقة وإظهارها حتى أضحت
بالنسبة لي النموذج الذي يجب أن يحتذي به من أراد خوض التجربة الإعلامية، فحين
قابلتها كنت أحمل في طياتي خبرة مايقارب ثلاثون عاما من الكتابة والاجتهاد الأدبي،
ولكن –وهي حقيقة أكتبها ليخلدها التاريخ عني لمن سيقرؤها بعد زماننا- أقول ولكن
كانت هدى بالنسبة لي هي الاحتراف في الحقيقة وقمة الإخلاص في التجرد وإنكار الذات
حين يهمها تقديم الحقيقة ولو عن طريق غير طريقها.
**ولهذا جاءت التجربة الفريدة من نوعها (تجربتي) وهو
الاسم الذي أطلقته هدى على صالونها الأدبي الذي أنار الإبداع في مركز الإبداع
والذي أصبح أيقونة السعادة كل شهر فأنارت من جديد ظلام ليل الإسكندرية مدينة الأدب
والأدباء، مدينة مكتبة الإسكندرية شهيدة الحروب السابقة ومقياس الوعي الجديد.
جاءت أمسيات هدى في وقتها حين بدأت تدعو الشباب إلى كلمة
سواء في الإعلام بعيدا عن مهاترات السابقين وادعاء المدعين والبعيدين عن المهنية
فاقدي ميثاق الشرف الإعلامي معنويا، فصبغت ليالينا بألوان جديدة تحمل رائحة الأدب
السابق، فكلما تواجدت معها في هذا الصرح المرموق استشعرت ابتسامة رضا من سابقينا
من عمالقة الأدب، نعم... رأيت العقاد يصفق لها، والحكيم يومئ لها أن استمري ويشير
لها طه حسين أن اصمدي، فمازلت في أول الطريق.
أجد سهير القلماوي تبكي من فرحتها بخليفتها الأديبة
ويوسف السباعي يحلم بكتابة قصة فيها، وأنيس منصور ويوسف إدريس معنا أيضا ورامي
وشوقي وحافظ وبيرم، إنهم حولنا بأرواحهم الراقية في جنة الخلد بإذن الله ينظرون
إلى هدى ليخبروها أننا لم نمت بل أنك تحيين أجسادا توارت في الثرى.
**ستنجح هدى، نعم بإذن الله ستنجح وسيظل صالون هدى هو
المقياس الأدبي الحقيقي لمجتمعنا المعاصر لأنها تخلص في عملها وتنتقي النخبة
وسيخرج من الصالون مبدعون كما خرج سابقيهم من صالونات القرون الماضية.
وآخر ما أخبركم به أني أفخر بهذه المرأة التي جعلتني
وأنا أسير في أروقة مركز الإبداع لأدخل صالونها، جعلتني أرى أرواحا أحببتها ...حتى
رأيت حبيبتي تشير لنا من بعيد أنتم خلفي الذي أحياني بعد موات، حبيبتي مي زيادة التي
تنظر إلينا لترى ماتقدمه هدى وتصفق بنفس الابتسامة البريئة.
وبين محاكاة التاريخ بالحاضر كان يجب أن نضع هذا الحكم
الصادق على سيدة سيخلد التاريخ اسمها وحق عليه أن يفعل.
وكانت هذه رحلتي معكم في (تجربتي) بين هدى الساعاتي...
وزيادة.
د.نورهان بسيوني
الجمعة 18 مارس 2016
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق