الهمسة الثانية:
تلك الطفلة...التي هي أنا تخطو أولى خطواتها
للحياة لتواجه كل لمحاتها وقسماتها،تلك الطفلة...الابنة الكبرى لعائلة كبيرة مليئة
بمختلف الأعمار وهي... الحفيد الأول، تراقب كل شئ وتلمح كل الأشخاص وتلتقط التجارب
التي تتجمع من كل من حولها.
تلك الطفلة التي هي أنا...تحبو لترى أماً تحبها
وتقضي كل وقتها وحياتها من أجلها، تعطيها الحنان وتربيها لتصبح أقرب مايكون
للمثالية (المسطرة) التي لاتحيد عن الحق ولو استجداها العالم كله وأثر عليها بكل
المغريات تعلمت أن أقصر طريق بين نقطتين هو الخط المستقيم.
تلك الطفلة التي هي أنا... وجدت أباً يتعلم ولا
يكتفي بجهة علم واحدة ذاكر المنهج العلمي والأدبي وكان أول دفعته في قسم التاريخ
في كلية الآداب، كانت الكتب أهم عنده من الطعام والشراب بل والحياة بأكملها، كانت
القراءة هي الصورة التي انطبعت في ذهن تلك الطفلة عندما تتحدث عن أبيها
(بابا=القراءة) و(ماما=المثالية) و(عائلتي الكبيرة=مصر)
تلك الطفلة التي هي أنا....انتبهت لواقع الحياة
المرير مبكرا ووصلت لدرجة الوعي قبل باقي أقرانها وفي سن سنتين وأشهر حين ولدت قرة
العين الأولى في حياة تلك الطفلة أختي (يمنى) كنت معهم حين تنبهت أن أمي اختارت
اسمها ليشابه اسم ابنة عالم جليل على ما أذكر ربما د.عبدالحليم محمود.
كانت تلك الطفلة أختي هي الخير والبركة على
عائلتنا كلها بمعنى اليمن والخير والبركات، كانت ومازالت هي الهدوء الذي يسود
العائلة بعد صخب الطفلة الأولى التي هي أنا والتي تحب الحديث والنقاش في كل شئ
وتسأل عن كل شئ وتبدي رأيا وعمرها ثلاث سنوات لتقترب من أختها فتجدها تبتسم
ابتسامة لطيفة جذابة تحبها وتجعلها تصمت لتتابع هذه البريئة في خطواتها الأولى
للحياة ولتتعلم لأول مرة أنها لم تعد تلك الطفلة الوحيدة المدللة بل الأخت الكبرى
لفراشة بريئة تسعدنا بجمال رونقها حتى الآن.
تلك الطفلة التي هي أنا...دخلت في روضة الأطفال
لتتعلم اللغة العربية والانجليزية
والأرقام وزادت في وعيها، فكانت تكتب وتقرأ في سن ثلاث سنوات،تلك الطفلة التي هي
أنا..أراها تقف عند شرفة منزلها المطلة على البحر لتسأل نفسها سؤالا واحدا...كيف
ستسيرين يا أيامي؟ إلى أين ستحمليني يا أمواج حياتي؟ إلى أي مدى ستصلين يا
(نورهان)؟
وكانت تلك الطفلة التي هي أنا...الواقفة تنظر إلى
البحر الممتد بلا حدود قد بدأت تكون مستقبلها ولم تكن تعلم بعقلها القليل الوعي –على
قدر سنها- أن طموحها سيصبح في يوم من الأيام كتلك المياه الممتدة بلا حدود.
كانت السنوات الأولى في حياة تلك الطفلة هي الهدية
التي حباها الله بها ليبدأ القدر في رسم منعطف جديد في حياتها، وكان هذا المنظر من
آخر المناظر التي انطبعت في ذهنها لتصبح من الصور القليلة التي رحلت بها عن أحب
عشق في حياتها (مصر) إلى الغربة التي غيرت نفسية تلك الطفلة...التي هي أنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق